الثلاثاء، 31 يوليو 2012

أنتِ اختصرْتِ لي النّساء!



يا حُبُّ ما لَكَ قَدْ غَدَوْتَ عذابا

            إِرْحَمْ ضَعيفًا قلْبُهُ قَدْ ذابا
حَسِبَ الغرامَ هو الدّواءَ لنفسِهِ
      فَمَضَى وَشَرَّعَ للهوى أبوابا
وإذا القلوبُ تَفَتَّحَتْ أقفالُها
سَكَبَ الهَوى في جَوْفِها أكْوابا
للّهِ دَرُّكَ ما فَعَلْتَ بعاشقٍ؟!
  صَوَّبْتَهُ في صَدْرِهِ..فانصابا
وَغَدا أسيرَ الوَجْدِ، يَنْزِفُ عِشْقَهُ
         والعِشْقُ كانَ ولمْ يَزَلْ غلاّبا
أَسْكَرْتَني مِنْ غيرِ خَمْرٍ سَكْرَةً
         تَعْتَعْتَ مِنْ صَهْبائِها الأحبابا
يا حُبُّ مَهْلاً، أنتَ تَسْكُنُ مُهْجَةً
            لا صَخْرَةً أو قَلْعَةً وقِبابا
إنَّ الحديدَ إذا أَحبَّ أَلَنْتَهُ
     كيفَ القلوبُ، وما مَلَكْنَ حِرابا؟!
الحُبُّ إكسيرُ الحياةِ وماؤها
         لولاهُ كانتْ بلقعًا وخرابا
إنْ ماتَ فينا الحُبُّ صِرْنا أَعْظُمًا
      وَحِجارةً صَخْريَّةً ودوابا
يا حُبُّ لا تَعْذِلْ قَتيلَكَ في الهوى
في مَنْ يُحِبُّ، فلا أُطيقُ عتابا
لَوْ كنتَ تَدْري مَنْ عَشِقْتُ عَذَرْتَني
    لَوْ كنتَ تَعْرِفُ ما عَجِبْتَ عُجابا
فإذا التَقَيْتَ بها جُنِنْتَ بِسِحْرِها
       وَمَسَحْتَ تَحْتَ نِعالِها الأعتابا
هيَ درّةٌ في أرضِنا ياقوتةٌ
     ظلَّ الجمالُ يرومُها أحقابا
هيَ مَنْ تدورُ الأرضُ في أفلاكِها
  والبَدْرُ صاغَ حُلِيَّها إعجابا
والشَّمْسُ تُكْسَفُ إنْ رَنَتْ في وَجْهِها
 حَسِبَتْ كثيرًا للجمالِ حِسابا
والتِّبْرُ يَسْكُبُ لَوْنَهُ منْ شَعْرِها
 والثّلْجُ أَبْصَرَها..فذابَ، وشابا
والنَهْرُ يَنْهَلُ مِنْ مياهِ عيونِها
ولذاكَ طابَ حلاوةً وشَرابا
والشَّهْدُ يَسْكَرُ مِنْ رحيقِ رضابِها
  أَهْدابُها كَمْ تَسْحرُ الألبابا!
وَلَها لِحاظٌ كالرِّماحِ مُصيبةٌ
     تُرْدي القلوبَ، وَتَأخذُ الأسلابا
وَنَخيلُ عينيها سيوفٌ جُرِّدَتْ
    هنَّ القواطِعُ.. لو دَخَلْنَ جِرابا
هي إنْ مَشَتْ فوقَ الخرابِ بِنَعْلِها
     لَرَأيتَ تحتَ نعالِها أعشابا
وإذا سَمِعْتَ حديثَها فَجواهرٌ
 إنَّي اتخذْتكِ في الحياةِ كتابا
ما أنتِ منْ جِنْسِ النّساءِ، وإنّما
   حوريّةٌ، كَمْ تُذْهِلُ الألبابا!
أنتِ الحبيبةُ والطّبيبةُ يا رنا
  إنْ تُظْلِمِ الدّنيا وتُخْرِجْ نابا
ما أنتِ إلا فَرْحَتي وسلافتي
    والخَطْبُ إنْ يلْمَحْ ضياءَكِ غابا 
إنّي أعيشكِ لا أعيشُ بداخلي
       وأحلّ فيكِ وما عَرَفْتِ غيابا
إنّي أحبُّكِ منْ جميعِ جوارحي
        للهِ درُّكِ كمْ ذَلَلْتِ رقابا 
إنّي أراكِ إذا ادْلَهَمَّتْ ظُلْمتي
    بدرًا يُنيرُ وفرقدًا وشهابا
وأراكِ في غَلس الدّياجي نجمةً
   وأراكِ مُزْنًا دافقًا وسحابا
وأراكِ في طُهْرِ الفؤادِ حمامةً
    تَهَبُ السّلامَ، ولا ترومُ ثوابا
إنّي أراكِ سفينتي في عيلمٍ
 وأراكِ في لَسْعِ الصّقيعِ ثيابا
وأراكِ في كلِّ المصائبِ نِعْمةً
  وأراكِ عودًا مُطْرِبًا وربابا
وأذوبُ فيكِ كَسُكَّرٍ مُتجمِّدٍ
 ألقَوْهُ في نَهْرٍ، فسالَ، وذابا
ذرّاتُ جِسْمي كلّها مشحونةٌ
  عِشْقًا، ووَجْدًا آسِرًا مُنْسابا
إنّي نَصيبُكِ والقضاءُ مُحَتَّمٌ
مَنْ ذا يُغَيِّرُ في القضاءِ جوابا؟!
هبةٌ منَ الرّحمن أنتِ ونِعْمةٌ
     سُبْحانَ ربّي مُعْطِيًا وهّابا
يا مَنْ رَفَعْتِ الحُبَّ فوقَ سمائِهِ
          وَبَنَيْتِ قَصْرًا للهوى خلاّبا 
قدْ شِدْتِ لي كونًا جميلاً ساحرًا
          قدْ كانَ قبلكِ موحِشًا ويبابا
إنّي أحبّكِ يا أميرةَ عالَمي
     ويكادُ حبُّّكِ يَحْرِقُ الأعصابا 
أنا لَسْتُ أُنْكِرُ أنَّ حبّي جارِفٌ
         كالموجِ يَرْكَبُ أَبْحُرًا وعُبابا 
فإذا عَشِقْتُ فلَيْسَ مثلي عاشِقٌ
       وَسَلي بطونَ الكُتْبِ والأقطابا
لوْ كانَ "مَعْمَرُ" بيننا عَلَّمْتُهُ
           فَنَّ المَحبَّةِ والهوى الوثّابا 
مجنونُ ليلى لو رآني عاشِقًا
         لَدَرَى بأنَّ هواهُ كانَ سرابا
قومي اسكني في قَصْرِ قَلْبي واشْهَدي
             دِفْئًا يُحيلُ شتاءَنا لهّابا
عَلَّمْتِني نَظْمَ القريضِ بدقّةٍ
            لأنافسَ الشّعراءَ والكتّابا
ألْهمتني شِعْرًا رقيقًا لَحْنُهُ
     وَضَبَطْتِ وَزْنَ الشِّعْرِ والإعرابا
أنتِ اخْتَصَرْتِ لي النّساءَ، حبيبتي،
        وَجَعَلْتِ لي باقي النّساءِ ذبابا!

شعر: ماهر برهومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق