ما كُنْتُ قَبْلَ البَدْءِ شَيْئًا..كنتُ في دُنْيا
العَدَمْ
|
قَدْ كنتُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، أوْ كنتُ أمْرًا ما
انْحَكَمْ
|
ما كنتُ موجودًا، وَلَمْ أَكُ ظاهِرًا، شَكلاً،
وَلَمْ..
|
أنا لَمْ أَكُنْ مِنْ قَبْلُ إلا كالسّرابِ أَوِ
الحُلُمْ
|
أنا لَمْ أَكُنْ إلا الفراغَ إذا تَشَكَّلَ وارْتَسَمْ
|
***
|
أنا بَعْدَهَا أَصْبَحْتُ ماءً دافِقًا، والأصْلُ
طِينْ
|
قَدْ صِرْتُ شَيئًا..مادّةً..حقًا، لَقَدْ صَدَقَ
اليقينْ
|
قَدْ عِشْتُ تِسْعَةَ أشْهُرٍ في كَوْكَبٍ داجٍ أمينْ
|
أَنْمو وأنْشقُ مِنْ غذاءٍ جاهزٍ لي كُلََّ حينْ
|
قَدْ كنتُ في طَوْرِ النّشوءِ، وكنتُ بَعْضًا مِنْ
جَنينْ
|
***
|
وَنَمَتْ عِظامي بَعْدَها، وَقَدِ اكْتَسَيْتُ
بِلَحْمِيَهْ
|
وَجَرَى دَمي في أضْلُعي حَتّى رَوَى أَحْشائِيَهْ
|
ما كنتُ أدري ما أنا؟ ما طِلْسَمي؟ ما سِرّيَهْ
|
أنا كنتُ أَجْهَلُ مَنْ أنا؟ ما ظُلْمَتي بمآقِيَهْ
|
ما كنتُ أَعْرِفُ أيّ شَيءٍ عَنْ حياتي الماضيَةْ
|
***
|
لَكنّما سَئِمَ الفؤادُ مِنَ الحَشا، وَقَدِ اضّجَرْ
|
قَدْ ضاقَ لَحْدي ضاقَ صَبْري ضاقَ قَبْري والبَصَرْ
|
فَخَرَجْتُ في أمرِ الإلهِ، وكلّ شيءٍ في قَدَرْ
|
هيَ قُدْرَةُ اللهِ العظيمةُ حيثما شاءَ أَمَرْ
|
وَخَرَجْتُ مِنْ جُحْرِ الظّلامِ لأنزوي بينَ البَشَرْ
|
***
|
قَدْ كنتُ أصرخُ باكيًا، والنّاسُ حَوْلي يَضْحَكونْ
|
قَدْ كنتُ أَسْتَجْدي الرّجوعَ إلى الورا..كَيْ لا
أكونْ
|
لكنّهمْ جَهِلوا المُصابَ..وَفي غباهُمْ يَعْمَهونْ
|
ظَنّوا دموعي نَشْوَةَ اليَقْظانِ مِنْ أَلَمِ
المَنونْ
|
وكأنَّهُمْ عَشِقوا بُكاي..كأنّهمْ لا يَسْمَعونْ
|
***
|
وَأَلِفْتُ هذا الكونَ بَعْدَ تَمَنّعي وإبائِيَهْ
|
وَرَضَعْتُ مِنْهُ دَمي وَعَقْلي..مُهْجَتي،
أحشائِيَهْ
|
وَتَرَكْتُ أَشْرِعَةَ الطّفولَةِ..ضارِبًا أنوائِيَهْ
|
وَغَرِقْتُ في قاعِ المُحيطِ مُصارِعًا أدْوائِيَهْ
|
قَدْ كنتُ أَمْشي تائِهًا، مُتَجَلْبِبًا أحْزانِيَهْ
|
***
|
وَبَدَأتُ أسألُ: ما الحياةُ؟ وما المماتُ، وما
الوجودْ
|
ما هذه الدّنيا العجيبَةُ؟ هَلْ تَطولُ إلى الخلودْ؟
|
هَلْ تَنْتَهي أرْواحُنا بَعْدَ المماتِ؟ وَهَلْ تَعودْ؟
|
والظُّلْمُ يَبْقَى سائدًا، والحقّ يَأبَى أنْ يسودْ
|
والأرْضُ تَسْكَرُ بالدّماءِ بِلا سدودٍ أو قيودْ!
|
***
|
ما السّرّ أنّا قَدْ أَتَيْنا طائِعِينَ إلى
الحياةْ؟
|
هَلْ نَحْنُ نَحْيا في الحياةِ لِكَيْ نَصيرَ إلى
رُفاتْ؟!
|
هَلْ نَحْنُ نَحْيا كَيْ نَعيشَ بِلَذَّةٍ مِثْلَ
البُغاةْ؟!
|
أَوْ نَرْشُفُ اللذّاتِ، نَحْصدُ شَوْكَها قَبْلَ
المماتْ
|
لا مَنْ يُحاسِبُنا إذا كنّا تقاةً أو طُغاةْ!
|
***
|
وَنَظَرْتُ للشَّمْسِ المُضيئَةِ..هالَني ماذا أرى!
|
مِنْ أينَ يَأتيها الشّعاعُ، وَكَيْفَ تُشْرِقُ يا
تُرَى؟!
|
أَهِيَ الطّبيعَةُ أَوْجَدَتْها صُدْفَةً؟ أمْ ما
جَرَى؟
|
أمْ أنَّ هذا القولَ وَهْمٌ، باطِلٌ أمْ مُفْتَرى؟
|
هيَ رَحْمَةٌ..هيَ نِعْمةٌ للعالَمينَ وللوَرَى!
|
***
|
وَعَجِبْتُ مِنْ تلكَ السّما! ما سِرّها؟ ما حالُها؟!
|
بَلْ كيفَ تُرْفَعُ أو يُعَلّقُ في الفَضا
تِمْثالُها؟
|
مَنْ يا تُرَى رَفَعَ السّماءَ، فلا يكونُ زَوالُها؟
|
أَهِيَ الطّبيعَةُ يا تُرَى؟ ما شأنُها، وفِعالُها؟
|
إنَّ الحياةَ عَجيبَةٌ وغريبةٌ أحوالُها!
|
***
|
بينا أَتَيْتُ أُمَتِّعُ الحدقاتِ في الكونِ الأغرّْ
|
وَأُسَرِّحُ العَيْنَيْنِ والنّظراتِ في بَعْضِ
الصُّوَرْ
|
إذْ جاءَ صوتٌ للأذانِ، وفي الفؤادِ قَدِ اسْتَقَرّْ
|
اللهُ أَكْبَرُ لا إلهَ سِواهُ خلاّق البَشَرْ
|
آمَنْتُ باللهِ العَظيمِ، وَرُحْتُ أَلْتَمِسُ
العِبَرْ
|
***
|
وَسَجَدْتُ للهِ الذي خَلَقَ البَرِيَّةَ والأنامْ
|
وَبَكَيْتُ مِنْ فَرْطِ التّأثّرِ والتّضرّعِ
والهُيامْ
|
ما عادَ يُقْلِقُني الوجودُ أوِ الحياةُ أوِ الظّلامْ
|
َ
فَلَقَدْ وَصَلْتُ إلى الحقيقَةِ دونَ فَذْلَكَةِ
العَوامْ
|
وبِلا التّفَلْسُفِ والتّذاكي والتّشّدّقِ في الكلامْ
|
***
|
وَقَرَأْتُ قُرآنَ البيانِ، فَحِرْتُ مِنْ هذا
البَيانْ
|
هُوَ مَرْجِعٌ للكونِ..دستورُ الحياةِ مَدَى الزّمانْ
|
سَبَقَ الزّمانَ إلى الحقائِقِ والوقائِعِ منذُ كانْ
|
هُوَ مُعْجِزٌ لَنْ يَرْتَقي لِبيانِهِ أبدًا لِسانْ!
|
هو فرقَدٌ للعالَمينَ جَميعِهِمْ: إنسًا وجانّْ!
|
***
|
وَعَلِمْتُ أنَّ الموتَ تَتْبَعُهُ الحياةُ كما
النُّشورْ
|
وَعَلِمْتُ أنَّ العَدْلَ ميزانُ القيامَةِ والقبورْ
|
والنّارُ تَنْتَظِرُ المُسيءَ..وإنّها دَوْمًا تفورْ
|
وبأنَّ جنّاتِ
الخلودِ نَعيمُها فَوْقَ السّرورْ
|
وبأنّنا فوقَ الصِّراطِ نَمُرّ..وا هَوْلَ العبورْ!
|
***
|
وَعَلِمْتُ أنَّ نَبِيَّنا خَيْرُ البَرِيَّةِ
والأنامْ
|
وبأنّهُ شَمْسُ الوَرَى..ومقامُهُ أعْلَى مقامْ
|
وبأنّهُ خَتَمَ النّبوّةَ والرِّسالةَ للأنامْ
|
ولأجْلِهِ خُلِقَ الوجودُ..ونورُهُ طَرَدَ الظّلامْ
|
أَزْكَى الصّلاة على الرّسولِ عليهِ آلافُ السّلامْ
|
شعر: ماهر برهومي
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق