الاثنين، 30 يوليو 2012

فكّ الطّلاسم




 
ما كُنْتُ قَبْلَ البَدْءِ شَيْئًا..كنتُ في دُنْيا العَدَمْ

قَدْ كنتُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، أوْ كنتُ أمْرًا ما انْحَكَمْ

ما كنتُ موجودًا، وَلَمْ أَكُ ظاهِرًا، شَكلاً، وَلَمْ..

أنا لَمْ أَكُنْ مِنْ قَبْلُ إلا كالسّرابِ أَوِ الحُلُمْ

أنا لَمْ أَكُنْ إلا الفراغَ إذا تَشَكَّلَ وارْتَسَمْ

***

أنا بَعْدَهَا أَصْبَحْتُ ماءً دافِقًا، والأصْلُ طِينْ

قَدْ صِرْتُ شَيئًا..مادّةً..حقًا، لَقَدْ صَدَقَ اليقينْ

قَدْ عِشْتُ تِسْعَةَ أشْهُرٍ في كَوْكَبٍ داجٍ أمينْ

أَنْمو وأنْشقُ مِنْ غذاءٍ جاهزٍ لي كُلََّ حينْ

قَدْ كنتُ في طَوْرِ النّشوءِ، وكنتُ بَعْضًا مِنْ جَنينْ

***
وَنَمَتْ عِظامي بَعْدَها، وَقَدِ اكْتَسَيْتُ بِلَحْمِيَهْ

وَجَرَى دَمي في أضْلُعي حَتّى رَوَى أَحْشائِيَهْ

ما كنتُ أدري ما أنا؟ ما طِلْسَمي؟ ما سِرّيَهْ

أنا كنتُ أَجْهَلُ مَنْ أنا؟ ما ظُلْمَتي بمآقِيَهْ

ما كنتُ أَعْرِفُ أيّ شَيءٍ عَنْ حياتي الماضيَةْ

***
لَكنّما سَئِمَ الفؤادُ مِنَ الحَشا، وَقَدِ اضّجَرْ

قَدْ ضاقَ لَحْدي ضاقَ صَبْري ضاقَ قَبْري والبَصَرْ

فَخَرَجْتُ في أمرِ الإلهِ، وكلّ شيءٍ في قَدَرْ

هيَ قُدْرَةُ اللهِ العظيمةُ حيثما شاءَ أَمَرْ

وَخَرَجْتُ مِنْ جُحْرِ الظّلامِ لأنزوي بينَ البَشَرْ

***
قَدْ كنتُ أصرخُ باكيًا، والنّاسُ حَوْلي يَضْحَكونْ

قَدْ كنتُ أَسْتَجْدي الرّجوعَ إلى الورا..كَيْ لا أكونْ

لكنّهمْ جَهِلوا المُصابَ..وَفي غباهُمْ يَعْمَهونْ

ظَنّوا دموعي نَشْوَةَ اليَقْظانِ مِنْ أَلَمِ المَنونْ

وكأنَّهُمْ عَشِقوا بُكاي..كأنّهمْ لا يَسْمَعونْ

***
وَأَلِفْتُ هذا الكونَ بَعْدَ تَمَنّعي وإبائِيَهْ

وَرَضَعْتُ مِنْهُ دَمي وَعَقْلي..مُهْجَتي، أحشائِيَهْ

وَتَرَكْتُ أَشْرِعَةَ الطّفولَةِ..ضارِبًا أنوائِيَهْ

وَغَرِقْتُ في قاعِ المُحيطِ مُصارِعًا أدْوائِيَهْ

قَدْ كنتُ أَمْشي تائِهًا، مُتَجَلْبِبًا أحْزانِيَهْ

***
وَبَدَأتُ أسألُ: ما الحياةُ؟ وما المماتُ، وما الوجودْ

ما هذه الدّنيا العجيبَةُ؟ هَلْ تَطولُ إلى الخلودْ؟

هَلْ تَنْتَهي أرْواحُنا بَعْدَ المماتِ؟ وَهَلْ تَعودْ؟

والظُّلْمُ يَبْقَى سائدًا، والحقّ يَأبَى أنْ يسودْ

والأرْضُ تَسْكَرُ بالدّماءِ بِلا سدودٍ أو قيودْ!

***
ما السّرّ أنّا قَدْ أَتَيْنا طائِعِينَ إلى الحياةْ؟

هَلْ نَحْنُ نَحْيا في الحياةِ لِكَيْ نَصيرَ إلى رُفاتْ؟!

هَلْ نَحْنُ نَحْيا كَيْ نَعيشَ بِلَذَّةٍ مِثْلَ البُغاةْ؟!

أَوْ نَرْشُفُ اللذّاتِ، نَحْصدُ شَوْكَها قَبْلَ المماتْ

لا مَنْ يُحاسِبُنا إذا كنّا تقاةً أو طُغاةْ!

***
وَنَظَرْتُ للشَّمْسِ المُضيئَةِ..هالَني ماذا أرى!

مِنْ أينَ يَأتيها الشّعاعُ، وَكَيْفَ تُشْرِقُ يا تُرَى؟!

أَهِيَ الطّبيعَةُ أَوْجَدَتْها صُدْفَةً؟ أمْ ما جَرَى؟

أمْ أنَّ هذا القولَ وَهْمٌ، باطِلٌ أمْ مُفْتَرى؟

هيَ رَحْمَةٌ..هيَ نِعْمةٌ للعالَمينَ وللوَرَى!

***
وَعَجِبْتُ مِنْ تلكَ السّما! ما سِرّها؟ ما حالُها؟!

بَلْ كيفَ تُرْفَعُ أو يُعَلّقُ في الفَضا تِمْثالُها؟

مَنْ يا تُرَى رَفَعَ السّماءَ، فلا يكونُ زَوالُها؟


أَهِيَ الطّبيعَةُ يا تُرَى؟ ما شأنُها، وفِعالُها؟

إنَّ الحياةَ عَجيبَةٌ وغريبةٌ أحوالُها!

***
بينا أَتَيْتُ أُمَتِّعُ الحدقاتِ في الكونِ الأغرّْ

وَأُسَرِّحُ العَيْنَيْنِ والنّظراتِ في بَعْضِ الصُّوَرْ

إذْ جاءَ صوتٌ للأذانِ، وفي الفؤادِ قَدِ اسْتَقَرّْ

اللهُ أَكْبَرُ لا إلهَ سِواهُ خلاّق البَشَرْ

آمَنْتُ باللهِ العَظيمِ، وَرُحْتُ أَلْتَمِسُ العِبَرْ

***
وَسَجَدْتُ للهِ الذي خَلَقَ البَرِيَّةَ والأنامْ

وَبَكَيْتُ مِنْ فَرْطِ التّأثّرِ والتّضرّعِ والهُيامْ

ما عادَ يُقْلِقُني الوجودُ أوِ الحياةُ أوِ الظّلامْ

َ
فَلَقَدْ وَصَلْتُ إلى الحقيقَةِ دونَ فَذْلَكَةِ العَوامْ

وبِلا التّفَلْسُفِ والتّذاكي والتّشّدّقِ في الكلامْ

***
وَقَرَأْتُ قُرآنَ البيانِ، فَحِرْتُ مِنْ هذا البَيانْ

هُوَ مَرْجِعٌ للكونِ..دستورُ الحياةِ مَدَى الزّمانْ

سَبَقَ الزّمانَ إلى الحقائِقِ والوقائِعِ منذُ كانْ

هُوَ مُعْجِزٌ لَنْ يَرْتَقي لِبيانِهِ أبدًا لِسانْ!

هو فرقَدٌ للعالَمينَ جَميعِهِمْ: إنسًا وجانّْ!

***
وَعَلِمْتُ أنَّ الموتَ تَتْبَعُهُ الحياةُ كما النُّشورْ

وَعَلِمْتُ أنَّ العَدْلَ ميزانُ القيامَةِ والقبورْ

والنّارُ تَنْتَظِرُ المُسيءَ..وإنّها دَوْمًا تفورْ

 وبأنَّ جنّاتِ الخلودِ نَعيمُها فَوْقَ السّرورْ

وبأنّنا فوقَ الصِّراطِ نَمُرّ..وا هَوْلَ العبورْ!

***
وَعَلِمْتُ أنَّ نَبِيَّنا خَيْرُ البَرِيَّةِ والأنامْ

وبأنّهُ شَمْسُ الوَرَى..ومقامُهُ أعْلَى مقامْ

وبأنّهُ خَتَمَ النّبوّةَ والرِّسالةَ للأنامْ

ولأجْلِهِ خُلِقَ الوجودُ..ونورُهُ طَرَدَ الظّلامْ

أَزْكَى الصّلاة على الرّسولِ عليهِ آلافُ السّلامْ


                             شعر: ماهر برهومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق