الاثنين، 30 يوليو 2012

الطّوفان




وَأَتى الضّلالُ، وَأَجْهَضَ الإيمانا

                والشّرُّ يَعْزِفُ للورى أَلْحانا


والكُفْرُ أسْدَلَ سِتْرَهُ وَقِناعَهُ

                   حتّى بدا مُتَبَجِّحًا عُرْيانا


الخَيْرُ أَعْلَنَ عُقْمَهُ وسقامَهُ

             والجورُ فجَّرَ بَغْيَهُ جَذْلانا


عَكفَ الأنامُ على العبادةِ إنّما

         عبدوا الحجارةَ، قََدَّسوا البُنْيانا


عبدوا إلهًا أَبْدَعَتْهُ بنانُهُمْ

       وَنَسُوا الرَّحيمَ، وأَطْبَقوا الأجْفانا




عَصَوُا الإلَهَ..وقَدَّسوا أصْنامَهمْ

        "ودًّا" وَ" نَسْرًا"..قدَّموا القربانا


وَكذا "سواعٌ" أَلَّهوهُ وَلَمْ يَقُلْ

              إنّي إلهٌ..بَلْ بدا حَيْرانا


عبدوا "يغوثًا" علَّهُ يُنْجيهِمُ

          يومَ القيامةِ..يُطْفئُ النّيرانا


عبدوا "يعوقًا"..أعرضوا عَنْ ربِّهِمْ

    حمدوا الحجارةَ، سبَّحوا التِّيْجانا


والأرضُ حُبْلَى بالضّلالةِ والخَنَى

       وتكادُ تخسِفُ بالورَى أحيانا


بَعَثَ الإلهُ إلى البريَّةِ هاديًا

        يهدي الأنامَ..يُزَيِّنُ الأكوانا


بَعَثَ الإلهُ إليهِمُ "نوحًا" وَقَدْ

      شَرُفُ الوجودُ بِنورِهِ وازْدانا


ودعا الأنامَ إلى عبادَةِ ربِّهِمْ

       أنْ يَلْزموا الإسلامَ والإيمانا


أنْ يتَّقوا الجبّارَ في أعمالِهِمْ

       يتعاونون على الوفا إخوانا


أنْ يسجدوا للهِ جلَّ جلالُهُ

      وَيُحَطِّموا الأصنامَ والأوثانا


ولقدْ دعاهم في قرونٍ تِسْعةٍ

   زادَتْ بِنِصْفِ القَرْنِ..لَمْ يَتَوانا


وَلَقَدْ دعاهمْ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً

     سِرًّا، وَجَهْرًا..خفيةً، إعلانا



لكنّهم رفضوا الهدى وضياءَهُ

         إنّي أراهمْ خُنَّعًا عُمْيانا


صُمٌّ وبُكْمٌ بلْ وَعُمْيٌ..إنّهم

      مثلُ البهائِمِ..بلْ أقلُّ مكانا


ودعا النّبيُّ وقال: "ربّي لا تَذَرْ

 أحدًا عصاكَ، وكافرًا، وجبانا"


"رَبّاهُ، إنّي كلّما كلَّمْتُهُمْ

   جَعلوا الأصابعَ تُغْلِقُ الآذانا"


"ربّاهُ، طَهِّرْ أرضَنا مِنْ غِيِّهِمْ

   فالصَّبْرُ كَلَّ، فَبَدِّلِ الإحسانا"


فأجابَهُ الرّحمنُ:"إنّي مُغْرِقٌ

   قومَ الضّلالِ..مُفَجِّرٌ بركانا"


"فالفلْكَ فاصْنَعْ كي تكونَ بِمأمَنٍ

     تأوي إليهِ..سكينةً وأمانا"


"وارْكَبْ وَمَنْ تَبِعَ الهدى في مَتْنِها

  كُتِبَ البقاءُ عليكمُ رِضوانا"


"أمّا الطّغاةُ فسوفَ أُصليهِمْ لَظًَى

  ذُلاًّ، صَغارًا، رهبةً، وهوانا"


"سأطَهِّرُ الغَبْراءَ مِنْ رِجْسٍ بها

فالكُفْرُ عَرْبَدَ في الورى نَشْوانا"


وَقَضَى الإلهُ وقالَ: " يا أرضُ اقذِفي

ماءَ المحيطِ ..وفَجِّري الطّوفانا"




فَتَفَتَّحَتْ قِرَبُ الّسماءِ بمائِها

    والماءُ ثارَ، فَلَمْ يَدَعْ إنسانا


والأرضُ قَدْ لَفَظَتْ سيولَ محيطِها

  والبَحْرُ فَجَّرَ موجَهُ عَطْشانا


حتّى الجبالُ تفجَّرَتْ وتبَخَّرَتْ

  والماءُ سَيَّلَ صَخْرَهَا وألانا


الموتُ أرْسَلَ جُنْدَهُ وَرِجالَهُ

كَيْ يزهقوا الأرواحَ والأبْدانا


والماءُ يَغْتالُ النّفوسَ يَضُمُّها

  في لُجَّةٍ لا تَعْرِفُ الوجدانا


ويمجُّ أجسادًا تَقَطَّعَ لُبُّها

والموجُ صارَ على المدى أكفانا



نَجّى الإلهُ نبيَّهُ وحبيبَهُ

       والمؤمنينَ بِرَبِّهِمْ وأعانا


فالفلْكُ تَجْري في رعايةِ ربِّها

    والسّيلُ يَجْري دونها هتّانا


وَقَدِ اسْتَقَرَّتْ فوقَ طَوْدٍ شامِخٍ

   فتبارَكَ "الجوديُّ" أنّى كانا


أمَرَ الإلهُ وقال: "يا أرضُ ابْلَعي

ماءَ المحيطِ، وأَوْقِفي الجَرَيانا"


أَمَرَ السّماءَ بأنْ تَكفَّ بكاءَها

قُضِيَ القضاءُ..فَكَفْكِفوا الأحزانا


والشّمسُ شَعَّتْ بعدَ طولِ غيابِها


والأرضُ فَرْحَى..ودَّعَتْ أشجانا


وبدا النّبيُّ وقَدْ أتى مُسْتَبْشِرًا

    فالكونُ أصْبَحَ طائعًا خَشْيانا


ماتَ الطّغاةُ جميعُهُمْ حتّى ابْنُهُ

    ذاقَ الهوانَ، وأدْرَكَ الحِدْثانا


ظنَّ الجبالَ تَقيهِ مِنْ غَرَقٍ، فَقَدْ

    آوى إلى جَبَلِ البِلَى فَرْحانا


فإذا الجبالُ تَفَتَّقَتْ أوتادُها

 غَرِقَتْ وَأَضْحَتْ ذرَّةً ودخانا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق