الاثنين، 30 يوليو 2012

الذبيح




شَبَّ الرّضيعُ، وَشَعْشَعَ الأنوارا

                فتراهُ في إيمانِهِ إعصارا


عَقْلٌ رَزينٌ..هِمَّةٌ لا تنثَني

              والقَلْبُ يَطْفَحُ عِزَّةً ووقارا


يَأتيهِ والِدُهُ يقولُ برأفَةٍ:

             -"أَبُنَيَّ جِئْتُكَ تائِهًا مُحْتارا"


"خَطْبٌ إذا لَمَسَ الجبالَ أزالَها

         جَلَّ المُصابُ وَلَمْ يَزَلْ مَوّارا!"


-"أبتاهُ، قُلْ لي ما الرَّزيَّةُ؟ عَلَّني

         أشفي الغليلَ، وأرتقُ الأوتارا"


"عَلِّي أُخَفِّفُ بَعْضَ هَمِّكَ يا أبي

          وَعَسَى أُنَفِّسُ كَرْبَكَ الزّوّارا"


"أبتاه، قُلْ لي: ما دهاكَ؟ وما الذي

      تُخْفيهِ عنّي؟..وافْضَحِ الأسرارا"


قال النّبيُّ:-"أيا بُنَيَّ أنا الذي

         جَعَلَ الحياةَ مَحَطَّةً ومَزارا"


"أنا لَسْتُ أَنْبو حينَ يَشْتَدُّ البَلا

    ويزيدُني عِبءُ القضا إصرارا"


"وأواجِهُ الأرزاءَ بالتّقوى ولا

          أَتَهَيَّبُ الأشواكَ والأخْطارا"


"إنَّ الذي أخشاهُ يا بَدْرَ الدُّجَى

         ألاّ تُطَبِّقَ ما العظيمُ أشارا"



-"أَعَهِدْتَني أبتاهُ يومًا عاصيًا

         وأنا الذي أَتَهَيَّبُ الجبّارا؟!"


"إنّي أُسارِعُ ما اسْتَطَعْتُ إلى الهُدَى

            لا تَجْعَلَنِّي لِلْعُصاةِ شِعارا"


-"لا يا بُنَيَّ، فأنتَ تَجْهَلُ مَقْصَدي

             مازِلْتَ فينا قدوةً وَمنارا"


"اللهُ يَأْمُرُني بِذَبْحِكَ يا حَبِيـْ

 ـبُ، وَلَسْتُ أعصي الواحدَ القَهّارا"


هيَ فِتْنَةٌ يبدو بها صِدْقُ التُّقى

           وَتُغَرْبِلُ الصُّلاّحَ والكفّارا


والزَّيْفُ يَفْضَحُهُ البلاءُ وَكَمْ نَرَى

     النّيرانَ تَفْضَحُ عَسْجَدًا وَنُضارا


-"أبتاهُ، خُذْ رَأْسي ولا تَبْخَلْ بِهِ

        واحْصدْهُ إنّي لَنْ أَفرَّ فرارا!"


"أَأَفرُّ مِنْ ربّي إلى ربّي الذي

       أشْتاقُ يُلْغي بيننا الأستارا؟!"


"أَبَتاه، وَاجْعَلْ حَدَّ سَيْفِكَ قاطِعًا

       فأموتَ واحدةً، وليسَ مرارا"


"أَبَتاهُ، لا تَنْظُرْ إليَّ تَأسُّفًا

    أَغْمِضْ جفونَكَ، وَاتَّقِ الإبْصارا"


"حاذِرْ قَميصَكَ أنْ يُلَطَّخَ بالدِّما

          ويكونَ نَزْفي مائرًا فوّارا"


"وَتَراهُ أمّي، ثمَّ يَحزن قَلْبُها

      أَخْشَى عليها اليومَ أنْ تَنْهارا"


لكنَّ "إبراهيمَ" جَدَّدَ عَزْمَهُ

      حَسَمَ التَّرَدُّدَ، فاسْتَحالَ قرارا


وَهَوَى ذبابُ السَّيْفِ في نَحْرِ الذي

       جَعَلَ المَنيَّةَ مَسْرَحًا وَمزارا


وَنبا الحسامُ، وَلَمْ يُحَقِّقْ ما ابْتَغَى

        وَالرّأسُ رَدَّ الصّارِمَ البَتّارا


وفَداهُ رَبُّ العالَمينَ بِكِبْشِهِ

       وَنَجا الوليدُ لِحِكْمَةٍ تتوارى!

شعر: ماهر برهومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق