الاثنين، 30 يوليو 2012

في عيادة الطّبيب







ذَهَبْتُ إلى الطّبيبِ، وَبي دُوارٌ

             أرَى عَقْلي يكادُ أسًى يَطيرُ

تدورُ بِرَأسِيَ الدّنيا فأغْدو

             أسيرُ ولَيْسَ لي أبَدًا شُعورُ



وقلتُ لَهُ: " أَتَيْتُكَ رُغْمَ عِلْمي

               بأنّ العِلْمَ سُلَّمُهُ قَصيرُ"



"وََلَوْ يَدْري الطّبيبُ عِلاجَ مَوْتٍ

          لَما حَضَنَ النّطاسِيّ الحَفيرُ"






وَقُلْتُ له: "أرَى الدّنيا ذبابًا

         يطنّ بِمسْمَعي، وبِهِ صَفيرُ"



أسيرُ كَناقَةٍ عَشْواءَ، لكنْ

           حوافرُها بها وَحَلٌ يَغورُ



أسيرُ كَمُدْمِنٍ خَمْرًا دهورًا

       يَسيرُ بِيَ الطّريقُ، ولا أسيرُ



أرَى ما لا يراهُ النّاسُ يَوْمًا

          كأنّ بِناظِرِي شيئًا يدورُ



أرى الأشياءَ مَقْلوبًا رؤاها

     أراها عَكْسَ موضِعِها تَصيرُ



أرَى الأشياءَ مَرْآها ظَلامٌ

         أرى الدّيْجورَ لألاءً يُنيرُ




كذاكَ الظّلْمَ أضْحَى كلَّ عَدْلٍ

        ونورَ العَدْلِ قيلَ له يَجورُ




وحتّى النَّسْر سَمّوْهُ بُغاثًا

     وزُغْب الطَّيْرِ قيلَ لها نُسورُ



يجوزُ النّهرُ أنْ يُدْعَى أُجاجًا؟!

   وماءُ الأوقيانوسِ هو النّميرُ؟!



وهذا الوَرْدُ هلْ نَدْعوهُ شَوْكًا؟

      وأشواكٌ يُقالُ لها زُهورُ؟!



وإنّ الشَّرّ قَدْ أضْحَى سلامًا

      ونورَ الحَقّ قيلَ لهُ شرورُ



وَحتّى الخلّ سَمّوْهُ عَدُوًا

      وباتَ عدوُّنا ضَيْفًا يزورُ!




عَجِبْتُ لِسارِقٍ أَضْحَى بريئًا

  يُحاضِرُ في الأمانَةِ وَهْوَ عيرُ



عَجِبْتُ لِقاتِلٍ شَعْبًا وَحَقًا

  يقول: "أنا العدالةُ والطّهورُ"!



دُهِشْتُ لِعالِمٍ أضناهُ فَقْرٌ

   ينامُ على التّرابِ ولا يثورُ



وذي جَهْلٍ ينامُ على حَريرٍ

     يُقالُ لَهُ: ألا يَحْيا الأميرُ



وَصارَ الحَقّ لا يُبْنَى عليهِ

  وصارَ التّاجُ يَلْبسُهُ الحَميرُ



وَكَمْ مِنْ مُجْرِمٍ أَضْحَى رئيسًا

    وَذي حَقّ بأصفادٍ يَخورُ



كَفَرْتُ بكافِرٍ يُدْعَى تَقِيّا

     وكلّ فِعالِهِ كَذِبٌ وَزورُ



كَفَرْتُ بِشاعِرٍ يُدْعَى عَظيمًا

    قصائدُهُ شَعيرٌ لا شعورُ



يقولُ قصائدًا مِنْ غيرِ وَزْنٍ

  يُقالُ لَهُ الفَرَزْدَقُ أو جريرُ



رجالُ العَصْرِ قَدْ أضْحَوا نساءً

نساءُ العَصْرِ، وا أسَفي، سفورُ



رأيتُ الأرْضَ يَغْزوها عُلوجٌ

       وَيَحْكمها سفيهٌ أو حَقيرُ




..فقالَ لِيَ الطّبيبُ: "إليكَ عَنّي

      فَما بِكَ عِلَّةٌ إلا الضّميرُ"



"ورَأسُكَ لَمْ يُدَوِّخْهُ دوارٌ

  وَعَقْلُكَ راجحٌ، فِطِنٌ، وقورُ"



"ولكنْ دارَتِ الدّنيا ضلالاً

   وأنتَ مع الطبيعةِ لا تدورُ"



"وَإِصْلاحُ النّفوسِ لَمُسْتَحيلٌ

     وَتَقْويمُ الوَرَى أمْرٌ عَسيرُ"



"فَسِرْ في الأرْضِ أَبْكَمَ أو أَصَمّا

وأَغْمِضْ ناظِرَيْكَ كما الضّريرُ!"


                الشاعر: ماهر برهومي



                                             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق