ذَهَبْتُ إلى الطّبيبِ، وَبي دُوارٌ
|
أرَى عَقْلي يكادُ أسًى يَطيرُ
|
تدورُ بِرَأسِيَ الدّنيا فأغْدو
|
أسيرُ ولَيْسَ لي أبَدًا شُعورُ
|
وقلتُ لَهُ: " أَتَيْتُكَ رُغْمَ عِلْمي
|
بأنّ العِلْمَ سُلَّمُهُ قَصيرُ"
|
"وََلَوْ يَدْري الطّبيبُ
عِلاجَ مَوْتٍ
|
لَما حَضَنَ النّطاسِيّ الحَفيرُ"
|
وَقُلْتُ له: "أرَى الدّنيا ذبابًا
|
يطنّ بِمسْمَعي، وبِهِ
صَفيرُ"
|
أسيرُ كَناقَةٍ عَشْواءَ، لكنْ
|
حوافرُها بها وَحَلٌ يَغورُ
|
أسيرُ كَمُدْمِنٍ خَمْرًا دهورًا
|
يَسيرُ بِيَ الطّريقُ، ولا أسيرُ
|
أرَى ما لا يراهُ النّاسُ يَوْمًا
|
كأنّ بِناظِرِي شيئًا يدورُ
|
أرى الأشياءَ مَقْلوبًا رؤاها
|
أراها عَكْسَ موضِعِها تَصيرُ
|
أرَى الأشياءَ مَرْآها ظَلامٌ
|
أرى الدّيْجورَ لألاءً يُنيرُ
|
كذاكَ الظّلْمَ أضْحَى كلَّ عَدْلٍ
|
ونورَ العَدْلِ قيلَ له يَجورُ
|
وحتّى النَّسْر سَمّوْهُ بُغاثًا
|
وزُغْب الطَّيْرِ قيلَ لها نُسورُ
|
يجوزُ النّهرُ أنْ يُدْعَى أُجاجًا؟!
|
وماءُ الأوقيانوسِ هو النّميرُ؟!
|
وهذا الوَرْدُ هلْ نَدْعوهُ شَوْكًا؟
|
وأشواكٌ يُقالُ لها زُهورُ؟!
|
وإنّ الشَّرّ قَدْ أضْحَى سلامًا
|
ونورَ الحَقّ قيلَ لهُ شرورُ
|
وَحتّى الخلّ سَمّوْهُ عَدُوًا
|
وباتَ عدوُّنا ضَيْفًا يزورُ!
|
عَجِبْتُ لِسارِقٍ أَضْحَى بريئًا
|
يُحاضِرُ في الأمانَةِ وَهْوَ
عيرُ
|
عَجِبْتُ لِقاتِلٍ شَعْبًا وَحَقًا
|
يقول: "أنا العدالةُ والطّهورُ"!
|
دُهِشْتُ لِعالِمٍ أضناهُ فَقْرٌ
|
ينامُ على التّرابِ ولا يثورُ
|
وذي جَهْلٍ ينامُ على حَريرٍ
|
يُقالُ لَهُ: ألا يَحْيا الأميرُ
|
وَصارَ الحَقّ لا يُبْنَى عليهِ
|
وصارَ التّاجُ يَلْبسُهُ الحَميرُ
|
وَكَمْ مِنْ مُجْرِمٍ أَضْحَى رئيسًا
|
وَذي حَقّ بأصفادٍ يَخورُ
|
كَفَرْتُ بكافِرٍ يُدْعَى تَقِيّا
|
وكلّ فِعالِهِ كَذِبٌ وَزورُ
|
كَفَرْتُ بِشاعِرٍ يُدْعَى عَظيمًا
|
قصائدُهُ شَعيرٌ لا شعورُ
|
يقولُ قصائدًا مِنْ غيرِ وَزْنٍ
|
يُقالُ لَهُ الفَرَزْدَقُ أو
جريرُ
|
رجالُ العَصْرِ قَدْ أضْحَوا نساءً
|
نساءُ العَصْرِ، وا أسَفي، سفورُ
|
رأيتُ الأرْضَ يَغْزوها عُلوجٌ
|
وَيَحْكمها سفيهٌ أو حَقيرُ
|
..فقالَ لِيَ الطّبيبُ:
"إليكَ عَنّي
|
فَما بِكَ عِلَّةٌ إلا الضّميرُ"
|
"ورَأسُكَ لَمْ يُدَوِّخْهُ
دوارٌ
|
وَعَقْلُكَ راجحٌ، فِطِنٌ،
وقورُ"
|
"ولكنْ دارَتِ الدّنيا
ضلالاً
|
وأنتَ مع الطبيعةِ لا تدورُ"
|
"وَإِصْلاحُ النّفوسِ
لَمُسْتَحيلٌ
|
وَتَقْويمُ الوَرَى أمْرٌ عَسيرُ"
|
"فَسِرْ في الأرْضِ
أَبْكَمَ أو أَصَمّا
|
وأَغْمِضْ ناظِرَيْكَ كما
الضّريرُ!"
الشاعر: ماهر برهومي
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق