الاثنين، 30 يوليو 2012

زمزم





الشَّمْسُ مِنْ غَلَيانِها تَتَصَدَّعُ

          وسعيرُها فوقَ الحِجازِ يُشَيَّعُ


وتكادُ تَلْفِظُ روحَها في مكّةٍ

           وكأنّها في غَيْرِها لا تَسْطَعُ



وَبَكَتْ مهامِهُ بَكَّةٍ مِنْ حَرِّها

            فالمَوْتُ تحتَ ترابِها يَتَلَوَّعُ


وادٍ خلا مِنْ زَرْعِهِ ونباتِهِ

           مِنْ كلِّ طَيْرٍ أو بهائمَ تَرْتعُ


بل كيفَ يَحْيا كائنٌ بمفازةٍ

        والماءُ فوقَ ظهورِها لا يَنْبَعُ؟!


والغَيْثُ يَجْهلُ دَرْبَها وسبيلَها

           والشّمْسُ تُمْطِرُها ولا تتقنَّعُ


والموتُ يَفْرشُ جندَهُ في أرْضِها

             والحَرُّ مِنْ أبوابِها يتوزَّعُ


قَطَعَ السّكونَ بكاءُ طفلٍ مُدْنَفٍ

  والصّوتُ يَضْربُ في الفراغِ ويرْجعُ


والأمُّ تَحْمِلُ طِفْلَها..تَمْشي بِهِ

          بينَ المهالِكِ..والمنايا تَصْفَعُ


وأبوهُ "إبراهيمُ" فرقدُ فَدْفَدٍ

        عرفَتْ شمائلَهُ الجهاتُ الأربَعُ


تَرَكَ النّبيُّ حَشاهُ في وادي التّوى

            عَزَمَ الرّحيلَ وَقَلْبُهُ يَتَفَجَّعُ


تَرَكَ الرّضيعَ و"هاجرًا" وكأنّه

             تَرَكَ الفؤادَ ونفسُهُ تتمنَّعُ


قالَتْ لهُ زوجُ الفضيلَةِ والتّقى:

             "اللهُ أرْحمُ بالعبادِ وأنفعُ"



"إنْ كنتَ تَفْعلُ ما الإلهُ يريدُهُ

             فاللهُ مَرْجِعُنا..وَنِعْمَ المَرْجِعُ"


ودَعا النّبيُّ وقالَ: "ربّي إنّهُ

        مَنْ يُحْيِ أمْرَكَ لا مناصَ مُشَفَّعُ"


"ربّاهُ، إنَّ الأرضَ تشكو جوعَها

             فامْلأْ جوانبَها ثمارًا تطلعُ"


"ربّاهُ، فارْزُقْ أَهْلَها مِنْ أَنْعُمٍ

        أنتَ الكريمُ..وَقَدْرُ عِلْمِكَ أَوْسَعُ


عادَ النّبيُّ إلى "فلسطينٍ" وَقَدْ

           أبقى حشاهُ بـِ"مَكَّةٍ" يتوَجَّعُ


وَعلا نَحيبُ الطِّفْلِ يَقْتُلُهُ الظّما

          والزّادُ أَفْلَسَ، والنّوائبُ تَلْمَعُ


فاضَ الحنانُ بِقَلْبِ "هاجَرَ" والتّقى

         والخوفُ يَسْكُنُ قَلْبَها..يَتَوَسَّعُ


وتكادُ تَعْصِرُ جَوْفَها في جَوْفِهِ

            لكنَّ جوفَ كلَيْهِما يَتَقَطَّعُ


ذَهَبَتْ تُفَتِّشُ لابْنِها عَنْ مَنْبَعٍ

        عَلَّ الفَلاةَ بِبَطْنِ "مكّةَ" تَدْمَعُ


صَعَدَتْ إلى جَبَلِ "الصّفا" فإذا بِهِ

         ظَمْآنُ للماءِ القُراحِ..وَبَلْقَعُ




وَهُناكَ قَدْ شَعَرَتْ بأنَّ رضيعَها

          قَذَفَ الحياةَ..وأمَّهُ سَيُوَدِّعُ


صارَتْ تُهَرْوِلُ بينَ "مَرْوَةَ" و"الصّفا"

           سَبْعًا..وكلَّ مسالِكٍ تَتَتَبَّعُ


عَبثًا تُحاولُ أنْ تُقاوِمَ خَوْفَها

       تُرْدي المَنيَّةَ..والمنيَّةُ أسْرَعُ


نَزَلَ  "الأمينُ" مِنَ السّماءِ مُفَجِّرًا

       ماءً قُراحًا..زمزَمًا يَتَضَوَّعُ

ماءً أعادَ الرّوحَ قبلَ رواحِها

    والصَّبْرُ يُثْمِرُ، والتَّجَمُّلُ يَرْدَعُ


سَكَنَتْ قبيلَةُ جُرْهُمٍ في أرْضِها

 مِنْ ضِرْعِها تأتي الطّيورُ وَترجعُ

شعر: ماهر برهومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق