الخميس، 18 أكتوبر 2012

رثاء الشاعر محمود درويش



لمْ يبقَ بعدك للقريض ممالكٌ...قوضْتها لما رَحَلْتَ إلى عُلاكْ

كان القريضُ إذا تعثر أو كبا...بمسيره، أو زل تمسكه يداكْ

قدْ كان يُفْجع حين يُنْعى شاعرٌ...لكن ظهرك كانَ يعصمه الهلاكْ

يأوي إليك، وروحه في حلقه...يبغي الحياة عساكَ تسعفه عساكْ

فتجسه جس الطبيب بحكمة...وتضمه حتى يحلق في سماكْ

يسمو بشعرك كالنسور محلقا...لا الصيدُ يُرهبُهُ ولا شرك الشباكْ

كان القريض يشد فيك بناءه...فنَسَفْتهُ لما سُحبْتَ إلى هناكْ

كان القريضُ يرى بعينك ما ترى...ففقأتَها لما استراحَتْ مقلتاكْ

"محمود" لا أبكيك أبكي أمتي...بضياعها فلأنتَ حي في رؤاكْ

أبكي على الأقصى بشعرك أدمعًا...مخنوقة وأقول يا أقصى فداكْ

أبكي ظلامًا حولنا محلولكا...يبدو جليا حين أقرأ في سناكْ

أبكي على أمجادنا وتراثنا...كنا ..وصرنا..أي ذل بعد ذاكْ؟

يا شاعر الغبراء دمتَ مجسدًا...وجع الشعوب ولو مسجى في ثراكْ

قدْ كنتَ لفْلسطينَ أعظم شاعر...فاهْنأ، بلغْتَ بشعركَ الراقي السماكْ

شعر: ماهر برهومي

الأحد، 12 أغسطس 2012

قاوم يا عِراق حتّى النّصر



قاوِمْ غزاتَكَ إنّ النّصْرَ ينتظرُ

        واجْعَلْ جماجمَهمْ نعلاً لِيعتبِروا

إنّا ندكّ رؤوسَ الظّلْمِ، نقرعُها

  في صخْرة الحقّ، حيثُ الظّلْمُ يَحْتَضِرُ

إنّا لَنَهْزأُ بالأعداءِ، نجعلُهُمْ

      إنْ فكّروا بلقاءِ الأسْدِ ينتحروا

فأرْضُنا للعدى يا قومُ مقبرةٌ

       تُفْني الجيوشَ، فلا يبقى لها أثَرُ



شَعْبَ العراقِ لَقَدْ أبْدَعْتَ ملحمةً

        في كلّ عَقْلٍ لها ذكْرَى ومُدّخَرُ

أيْنَ التّحالفُ؟ قدْ قطّعْتَ شوكتَهُ

         فباتَ في خَنْدَقِ الآبارِ يَسْتَعِرُ

حتّى ترَكْتَهُمُ للنّارِ مأدُبةً

        وها همُ بعدَ أعوامٍ لهمْ كُسِروا

قُلْ للطّغاةِ ولا تَسْتَثْنِ مِنْ أحدٍ

        أبالورودِ وبالأزهارِ قَدْ عبروا؟

وهل زغاريدُنا كانتْ لهمْ قُبَلاً

              وهَلْ لأجلِهِمُ أبقارُنا نُحِروا؟


إنّا نَحَرْناهم كأبقارٍ مُسَمّنةٍ

         والنّارُ تحْرِقُ لا تُبْقي ولا تَذَرُ

إنّ السّلاحَ سيبقى نحوَ قِبْلَتِهِ

        حتّى يعودَ إلينا النّصْرُ والظّفَرُ

عَرّجْ إلى القُدْسِ وارْفَعْ رأسَ أمّتنا

       دبّابةُ الظّلمِ يلوي كِبْرَها الحَجَرُ

ونبذلُ الرّوحَ للفردوسِ نبعثها

       إلى الجلالِ لها توقٌ، بها سَفَرُ

قُلْ للطّغاةِ بأنّ النّصْرَ موعدُنا

          والاحتلالُ بالاستشهادِ يندحِرُ

شعر: ماهر برهومي

الخميس، 9 أغسطس 2012

مَنْ للقدْسِ يا عَرَب؟!



أيَظَلّ سيفُ العُرْبِ في الأغمادِ

        والقُدْسُ تشكو قبضَةَ الجلاّدِ؟!

هَلْ هَبّ أصحابُ المروءةِ عندما

        رَأوُا المُصابَ بليلِنا المتمادي؟

فَتَحرّكوا بعتادِهم وعِدادِهم

  واسْتَبْسلوا في الموتِ والإنجادِ؟

أوْ أنّهم هبّوا لِحَشْوِ بنوكهم

        وتنافسوا في الغيِّ والإفسادِ؟



باعوا القضيّةَ والعروبَةَ كلّها

          واستسلموا للعيرِ والأوغادِ

ماذا تُدَبّجُ أو تقولُ يراعتي

        ومدامعُ الأيتامِ بعضُ مدادي؟

ومجازرُ الأعداءِ فاقَتْ معجمي

           تُدْمي كَسَهْمٍ داخل الأكبادِ

قَتْلى وجَرْحَى بالألوفِ كأنّما

              أرواحُنا أُلْعوبةُ الأولادِ

والأرضُ حُبْلَى بالدّماءِ، فإنّما

             جثثٌ هنا وهناكَ كالأطوادِ


وإذا رأيتَ الشَّعْبَ ثارَ فإنّهم

         وأدوهُ حيّا في ثرى الأجدادِ

فَلْيَعْلَمِ الجهلاءُ أنّا أمّةٌ

        لو تستفيقُ فَمَصْرعُ الأحقادِ

هاتوا برأسِ الظّالمين كأنّهم

        نبتٌ، ونحنُ مناجلُ الحصّادِ

يا أيُّها الحكّامُ خونوا مَرّةً

             أعداءَنا، فلكم تدينُ أيادِ

مَنْ خانَ شَعْبَ العُرْبِ ألْفًا فَلْيَخُنْ

    في العمْرِ يومًا صحبةَ الأوغادِ


أمّاهُ! يا رَحِمَ البطولةِ والفِدا

      هَلْ في حَشاكِ مصانعُ الأمجادِ؟

رَبّي بييكِ على الجهادِ، وأنجبي
       بطلاً يُضارِعُ طارقَ بنَ زيادِ!

شعر: ماهر برهومي

السبت، 4 أغسطس 2012

أنتِ لي



أَشْعَلْتِ صَدْرِيَ يا حبيبةُ نارا

         وَجَعَلْتِ قلبي عاشقًا مَوّارا

وَأَسَرْتِني مِنْ غيرِ قيدٍ، إنّما

     أنا مَنْ أَتَيْتُكِ طائعًا مُخْتارا

ماذا فَعَلْتِ؟ وكنتُ قبْلَكِ موصِدًا

  أبوابَ قلبي، ناصِبًا أستارا

ما كنتُ أدري ما الهَوَى؟ ما نارُهُ؟

         وَظَنَنْتُهُ للكاذبينَ شِعارا
 
حتّى رأيْتُكِ، فانْسَحَرْتُ بِنَظْرةٍ

       كَسَرَتْ قيودَ القلبِ والأسوارا

فَعَرَفْتُ معنى الحبّ منكِ وكنهَهُ

     وَرَكبْتُ فوقَ جناحِهِ أسفارا

قَدْ ذقتُ فيكِ عذابَهُ ونعيمَهُ

قَدْ خاضَ فيّ البحرَ والأقفارا

طورًا تُهَشّمني سنابِكُ خيلِهِ

   طورًا تناطحُ جبهتي الأقمارا

ماذا فَعَلْتِ فصارَ قلبي نابضًا

  بالرّوحِ، والدّنيا غَدَتْ أنوارا؟!

ماذا فَعَلْتِ فصارَ كوني واسِعًا

           قَدْ كانَ قبلَكِ كلّهُ أقذارا؟

ماذا فَعَلْتِ فصرْتِ روحًا داخلي

  وزَرَعْتِ في صحرائِيَ الأشجارا؟

أَحْيَيْتِ كلّ خليّةٍ في داخلي

أَحْدَثْتِ في وجدانيَ الإعصارا

أنا مُذْ رأيْتُكِ قدْ وُلِدْتُ مجدّدًا

   جَدّدْتِ في أعصابيَ الأوتارا

ماذا أقولُ؟ فمي يفتّشُ عن فمي

       والمفرداتُ بثقلِها تتوارى


عَجِزَ الكلامُ عَنِ الكلامِ بوصفِها

        قَدْ عَجّزَتْ بجمالِها الأشعارا

هي لا تَسَلْ..شقراءُ فاتنةٌ بها

        سِحْرٌ رقيقٌ أَنْطَقَ الأحجارا

تبدو ضفائرُها سبائكَ عَسْجَدٍ

  أو كالسّنابِلِ تُبْهِرُ الأطيارا

والحاجبانِ مُذَهّبانِ، وإنّما

    الإبريزُ مِنْ لونيهما قدْ غارا

أهدابُها لغةُ النّجومِ بسِحْرِها

    قَدْ كَحّلَتْها الشّمسُ ليلَ نهارا

والمُقْلتانِ خِضَمُّ بَحْرٍ أخضرٍ

             أمواجُهُ تتقاذفُ التّيّارا

إنْ رُمْتَ تسبحُ في عبابِ محيطِهِ

         لَنْ تستطيعَ بِبَحْرِهِ إبحارا

ترمي بعينيها القلوبَ بِنَظْرَةٍ

وتصيبُ تُحْدِثُ في القلوبِ دمارا

في ثَغْرِها كَرَزٌ لذيذٌ ناضِجٌ

          حبّاتُهُ مملوءةٌ أسرارا

أسنانُها عِقْدُ الجمانِ مُرَصّعٌ

      والدّرّ يجري بينها مدرارا


هيَ آيةٌ في الحُسْنِ لا بشرًا أرى

           سُبْحانَ ربّي خالقًا قهّارا

إنّي أرى فيها حياتي كلّها

        وأرى بنورِ جبينِها الأنوارا

إنّي أراها في الدّياجي نجمةً

وأرى بها في البلقعِ الأمطارا

وأرى بها في الليلِ أجملَ سلوةٍ

  وأرى بها في شِعْريَ الأفكارا

إنّي أراها إنْ وقعْتُ ركيزتي

وعصايَ إنْ عبسَ الزّمانُ وجارا

إنّي أحبّكِ يا "رنا" يا حلوتي

            وأنا بحبّكِ أبلغُ الأقمارا

لي أنتِ..لي في كلّ جِسْمِكِ أضلعٌ

           مَنْ ذا يُغَيّرُ هذه الأقدارا

نبقى معًا كالظّلّ جزءًا واحدًا

  ولسوف نبقى للوفاءِ شِعارا

شعر: ماهر برهومي